أحدث الأخبار :

جميع الفتاوى

اجابات برنامج المدارسة العلمية للشيخ عبدالقادر عطا صوفي - الجزء الثاني - الاسبوع الخامس - مفرغة

مشاهدات: 1553

+
خط
-

تاريخ الموضوع : 2016-04-07 الموافق الخميس ، ٢٩ جمادى الآخر ، ١٤٣٧

 بِسْم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

س 1 : ما معنى قول الشارح: فلا يطلق الإيمان إلا بقيد المعصية أو الفسوق ؟

الشارح رحمه الله تعالى يتكلم عن مرتكب الكبيرة،فمرتكب الكبيرة قد نقص إيمانه بسبب معصيته،فلا يطلق عليه الإيمان إلا إذا قيدناه فقلنا مؤمن عاصٍ،مؤمن فاسق،مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته،فيكون معه مطلق الإيمان الذي لا يصح إسلامه إلا به لا الإيمان المطلق، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة،وبه جاء الكتاب والسنة أن الإيمان مركب من أمور ثلاثة قول وعمل وتصديق، وليس الأمر كما زعم المرجئة أو كما زعمته الوعيدية ومن نحا نحوهم من أهل البدع،والله تعالى أعلم.

س 2 : ما الفرق بين باب إرادة الإنسان بعمله الدنيا وباب الرياء ؟

وما معنى قول الشارح رحمه الله:بينهما عموم وخصوص مطلق ؟

شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى أورد باب الرياء أولا، ثم أورد بعده باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا،وهذان البابان بينهما عموم وخصوص مطلق،كما ذكر الشارح، متى يجتمعان؟ لو أراد الإنسان بعمله التزين عند الناس والتصنع لهم وطلب مدحهم وثناؤهم عليههذا رياء، لكنه أيضا إرادة الدنيا بالتصنع عند الناس وطلب المدح والثناء منهم،فالآن صار فيه اجتماع بين باب الرياء وباب إرادة الانسان بعمله الدنيا،ويفارق إرادة الإنسان بعمله الدنيا الرياء بكونه عمل عملا صالحا أراد به عرضاً من الدنيا، الآن اجتمعوا في ثناء الناس ومدحهم وحسّن العبادة في الرياء لما رأى من نظر الناس إليه، في إرادة الإنسان بعمله الدنيااجتمعت مع الرياءلو أنه أراد من العبادة ثناء الناس عليه،فثناء الناس عليه أيضا من إرادة الدنيا، لكن يفارق كما قلت إذا عمل عملا صالحا أراد به عرضاً من الدنيا،كمن يجاهد ليأخذ مالا أو يجاهد للمَغْنَم،وغير ذلك من الأمور،إذا الرياء حالة واحدة من أحوال إرادة الإنسان الدنيا،يصلي يزين صلاته لأجلرؤية الناس له ولأجل مدحهم، ولكن هناك أحوالا أخَرى لإرادة الناس بأعمالهم الدنيا، ولهذا عطف الشيخ رحمه الله هذا الباب على الذي قبله ليُبَيِّن أن إرادة الإنسان الدنيا تأتي في أحوال كثيرة أعم من حال الرياء خاصة، لكن الرياء جاء في الحديث وخافه النبي صلى الله عليه وسلم على أُمَّتِهِ فهو في وقوعه كثير والخوف منه جلل،وقوله إرادة الانسان بعمله الدنيا يعني يعمل العمل وفي إرادته شيء بعثه على العمل، ما هو الذي بعثه على العمل؟ طلب ثواب الحياة الدنيا فهذا من الشرك بالله جلَّ وعلا،كما قال المؤَلِّف رحمه الله باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا،والله تعالى أعلم.

س 3 : في باب من أطاع العلماء والأمراء في حديث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمنجاء فيه قول معاذ:أجتهد رأيي ولا آلو،ما معنى قوله (ولا آلو)؟

ولا آلو أي ولا أبطِئُ ولا أمكث، لأن أليت عن حاجتي وألَّيْت عنها أي تمكَّثْتُ عنها حتى كادت أن تفوت،ويقال أَلَّيْتُ تأْلِيَةً بمعنى أبطأت فمراده لا آلو يعني لا أبطئُلا أمكث،يقال آل الرجل إذا تمكَّثَ في الأمر، وكأنَّه يقول رضي الله تعالى عنه أي لا أتردد في إمضائها لا أُبْطِئُ في إمضائها،أجتهد رأيي ولا أتردد أو لا أبطئُ أو لا أمكث ونحو هذه العبارات، والله تعالى أعلم.

س 4 : في المسائل التي ذكرها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في آخر الباب قال:الثالثة التنبيه على معنى العبادة التي أنكرها عَدِي،أريد توضيح العبارة.

طبعا الآن يشير إلى ما وقع لِعَدِيٍّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعدي فَهِمَ أن العبادة هي التعبد للأحبار والرهبان بالطاعة والتذلل لهم بالركوع والسجود والنذر وما أشبه ذلك، لذلك قال: لَسْنا نعبدهم،فأنكر أنهم يركعون لهم أو يسجدون أو يدعونهم أو يسألونهم لظنه أن العبادة خاصة بمثل هذا،لكن رسول الله صلى  الله عليه وسلم بين له أن العبادة أعم من ذلك، وأنها ليست مقصورة على ما فهمه،بل يدخل في العبادة طاعتهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال،لذلك قال: فتلك عبادتهم،فلو أطعتهم في معصية الله فتلك عبادة لهم، فأراد المؤلف رحمه الله تعالى أن ينبه على معنى العبادة التي أنكرها عَدِيّ، ليست العبادة بالركوع والسجود والصلاة فحسب، بل إن العبادة أيضا يدخل فيها الطاعة في تحليل الحرام وتحريم الحلال،والله تعالى أعلم.

س 5 : كيف يكون عمل جنكيز خان الذي حكم التتار من الكفر ؟ وماهو الياسق ؟

جنكيز خان رأس التتار وضع لهم كتابا مجموعا من أحكام اقتبسها من شرائع شتى من الملة الإسلامية وغيرها، وفي هذا الياسق الكثير من الأحكام التي أخذها من مجرد نظره، أخذها برأيه وعقله ليس مستندا فيها إلى كتاب الله تعالى ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،فسار هذا الياسق في بَنيه شرعاً يقدمونه على الحكم بالكتاب والسنة، ومن فعل ذلك يعني من قدم هذه الشريعة أو شريعة نحوها مخالفة للكتاب والسنة فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحَكِّم سواه يعني لا  يحكم سوى حكم الله تعالى حكم رسوله في قليل ولا كثير، قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون) أي هل يريدون حكم الجاهلية (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) أي ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين وأرحم بعبادة من الوالدة بولدها، هذا الكلام قد اختصرته من كلام ابن كثير رحمه الله تعالى تكلم عن عمل جنكيز خان وبيّن ماهو الياسق، والله تعالى أعلم.

س 6 : في قول قتادة رحمه الله: ( من كانت الدنيا همه )إلىأن قال ( أما المؤمن ) هل من كانت الدنيا همه هو غير المؤمن يعني أراد قتادة غير المؤمن كالكافر والمنافق هل هذا صحيح ؟

يقول قتادة رحمه الله (من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله في الدنيا بحسناته ثم يفضي إلى الاخرة وليس له حسنة يجازى بها) الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله تعالى جميعا يقول في كتابه التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق وتذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبدالوهاب يقول الشيخ سليمان: هذا في الكافر يعني فهمك صحيح الشيخ يقول هذا في الكافر، وأما المؤمن فإرادته الآخرة فغالبة فيجزى في الدنيا بحسناته ويثاب عليها في الاخرة، وذلك قوله:(نوف إليهم أعمالهم فيها)، والله تعالى أعلم.

س 7 : ما المراد بقول الشارح:إن إرادة الإنسان بعمله من أجل الدنيا أعظم من الرياء؟ هل معنى ذلك أنه قد يصل إلى الشرك الأكبر؟ وهل العمل من أجل الدنيا ينافي كمال التوحيد الواجب أو يحبط الأعمال كلها ؟

المصنف رحمه الله تعالى أراد بهذه الترجمة باب الرياء وما بعدها إرادة الانسان بعمله الدنيا أن العمل لأجل الدنيا شرك ينافي كمال التوحيد الواجب ويحبط العمل وهو أعظم من الرياء،لأن مريد الدنيا قد تغلب إرادته تلك على كثير من عمله، وأما الرياء فقد يعرض له في عمل دون عمل ولا يسترسل معه، والمؤمن يكون حذرا من هذا وهذا،أما الآية التي استدلوا بها وهي قول الله تعالى:(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفإليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)، السلف رحمهم الله أدخلوا أصنافا من المسلمين في هذه الآية، وذكروا أن الوعيد في قول الله تعالى:(أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) خاص بالذي كانت إرادته الحياة الدنيا فحسب، فلم يتقرب إلى الله جل وعلا بشيءأبدا،فهؤلاء أرادوا الدنيا بكل عمل، الكلام الآن عن الكفار وليس معهم من الاسلام والايمان مصححا لأصل أعمالهم وهم مخلدون في النار،أما الذي معه أصل الإيمان وأصل الإسلام الذي يصح به عمله فهذا يحبط عمله الذي أشرك فيه وأراد فيه الدنيا وما عداه فلا، لأن معه أصل الإيمان الذي يصحح العمل الذي لم يخالطه شرك،إذا هذه الآية فيها وعيد، وكما قال أهل العلم العبرة هنا باللفظ لا بخصوص السبب، فهي وإن كانت في الكفار لكن لفظها يشمل من أراد الحياة الدنيا من غير الكفار،إذا أعود فأقول مراد السلف رحمهم الله عندما أدخلوا أصنافا من المسلمين في هذه الآية ان يبينوا أن إرادة الإنسان بعمله الدنيا قد يعرض للمسلم، لكن لما كان معه أصل الإيمان وأصل الإسلام الذي يصح به عمله فلا يحبط إلا عمله الذي أشرك فيه وأراد به الدنيا، وما عداه فلا لأن معه أصل الايمان الذي يصحح العمل، والله تعالى أعلم.

س 8: أشكل علي فهم أنواع مما يفعله الناس اليوم ولا يعرفون معناه، يقول كم نوع وما الفرق بينهم؟

كأنك تشير إلى قول المصنف رحمه الله تعالى, عندما سئل عن قول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) فأجاب أنه ذكر عن السلف فيها أنواع مما يفعله الناس اليوم ولا يعرفون معناه، وذكر هذه الأنواع.

فذكر النوع الأول: الأعمال الصالحة التي يفعلها كثير من الناس ابتغاء وجه الله تعالى، يفعلون عبادة طاعة ابتغاء وجه الله أو يتركون معصية خالصة لله تعالى، لكنهم يقولون نحن لا نريد ثواب الآخرة وإنما نريد أن يجازينا الله تعالى بحفظ أموالنا بتنمية أموالنا بحفظ أولادنا بحفظ عيالنا بإدامة النعمة علينا، فليس لهم همّ في طلب الجنة ولا الهرب من النار، فهؤلاء يعطون ثواب أعمالهم في الدنيا وليس لهم في الآخرة من نصيب، هذا هو النوع الاول.

النوع الثاني: يقول أكبر من الأول وأخوف هذا الذي ذكره مجاهد في الآية أنه نزلت فيه، وهذا الذي يعمل أعمالا صالحة فيما يظهر للناس يرونها أعمالا صالحة وإلا فهي في الباطن فاسدة ما السبب؟ لأنه ما فعلها لله تعالى بل فعلها وأراد بها الناس ما أراد بها طلب ثواب الآخرة وإنما أراد بها الناس فهذه نية فاسدة ولو ظهر لنا أن هذه الأعمال أنها أعمال صالحة.

النوع الثالث: أن يعمل أعمالا صالحة لكنه يقصد بها دنيا يصيبها، يحج لمال يأخذ من راغب في الحج عن أحد من قرابته يهاجر لدنيا يصيبها يجاهد لأجل المغنم رجل يتعلم حتى يقف في مدرسة أبيه أو في مدرسة أهله يتعلم القران لأجل وظيفة في المسجد كما هو واقع كثير، فهذه الأعمال الصالحة التي عملهاقصد بها الدنيا ولم يقصد بها الآخرة.

النوع الرابع: أن يعمل بطاعة الله مخلصا في ذلك يريد ثواب الله تعالى ويريد الآخرة لكنه على عمل يكفّره كفراً يخرجه من الإسلام، فعبّاد القبور مثلاً لو أنهم صلوا, لو أنهم صاموا, لو أنهم فعلوا أعمالا لله تبارك وتعالى لكنهم يطوفون حول القبور ويتقربون إليها وهم يقولون لا إله إلا الله ويصلون ويصومون، فمثل هؤلاء أعمالهم فاسدة باطلة، لأنهم لم يخلصوا في العبادة لله تعالى ولم يعبدوا الله وحده.

 الحقيقة, بقي نوع خامس: هذا النوع إذا عمل الرجل الزكاة والصلاة والصوم والحج ابتغاء وجه الله طالبا ثواب الآخرة وعمل أعمالا صالحة قاصدا بها الدنيا، يعني مثلا حج فرضه ثم بعده لأجل الدنيا كما هو واقع، قال: فهو لما غلب عليه منهما هل يريد الله تعالى أم يريد الدنيا؟وقال بعضهم القران كثيرا ما يذكر أهل الجنة الخلّص وأهل النار الخلّص ويسكت عن صاحب الشائبتين وهو هذا والله أعلم, يعني إذا كان الغالب عليه الإخلاص والتقى يكون ناجياً بإخلاصه وتقاه، وإذا كان الغالب عليه المراءاة وإرادة الدنيا فيكون هالكاً فهو خاضع لما غلب عليه من عمل وهو ما يختم له به لأنه قد يختم له بعمل صالح يكفر الله تعالى عنهما سبق كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الاعمال بالخواتيم )، والله تعالى أعلم.

س 9 : كيف تكون طاعة ولي الامر الذي يحارب بعض الواجبات والسنن أو يأمر بضدها كأن يحارب إعفاء اللحية أو ستر المرأة لوجهها، ونحو ذلك ؟

الحاكم الذي يأمر بمعصية لا يطاع في هذه المعصية دون أن يكون للرعية حق الخروج عليه بسبب ذلك، فلو أن الأمراء أو العلماء أمروا بمعصية فإنهم لا يطاعون في ذلك, فإذا قال لك الأمير اشرب الخمر فلا تشربها، أو قال لك كل الربا فلا تأكله، وكذلك الأمر مع العادم إذا أمرك بمعصية الله فلا تطعه، لو أمرك بشيء من معاصي الله فلا تطعه في معاصي الله إنما الطاعة في معروف، كما قال رسول الله صلى الله عليها وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق), لكن لا يجوز الخروج عن الإمام وإن عصى، بل يجب السمع والطاعة في المعروف مع المناصحة ولا تنزع يدا من طاعة،لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (على المرء السمع والطاعة في المنشط والمكره فيما أحب أوكره ما لم يؤمر بمعصية الله فإن أمر بمعصية الله فلا سمع أولا طاعة)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من رأى من أميره شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة فإنه من فارق الجماعة مات ميتة الجاهلية)، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم وأن يشق عصاكم فاقتلوه كائناً من كان)، إذا العلماء والأمراء لا يطاعون في معصية الله تبارك وتعالى لكن لا تنزع يدا من طاعة إذا أمروك بمعصية فلا تطع ولا تنزع يدا من طاعة، بمعنى لا يجوز الخروج عليهم يجب عليك أن تسمع وتطيع في المعروف مع المناصحة, والله تعالى أعلم.

س 10 :  أيهما أشد خطراً تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله؟

كلاهما من القول على الله بغير علم, لأن السلطان في التحليل والتحريم لله تعالى وحده ليس لأحد سواه, من يحلل أو يحرم من غير دليل من كتاب الله أو سنة رسول الله فقد جعل نفسه نداً لله، وكذلك من أطاعه في ذلك, فمن أطاع مخلوقاً في التحليل والتحريم فقد اتخذه رباً وإلهاً من دون الله تعالى, قال تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)، ومعلوم أن من حرم ما أحل الله تعالىفقد أحل ما حرم الله تعالى, لأن الله تعالى حرم على الناس أن يحرموا ما أحل سبحانه وتعالى, والتحليل والتحريم من أعظم الذنوب كما بين, أعني تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله من القول على الله تعالى بغير علم، والله تبارك وتعالى قد حرم ذلك, قال الامام ابن القيم رحمه الله:(وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتياوالقضاء وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها, فقال تعالى:)قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) فرتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش, ثم ثنّى بما هو أشد تحريماً منه وهو الاثم والظلم, ثم ثلّث بما هو أعظم تحريماً منها وهو الشرك به سبحانه, ثم ربّع ما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه وتعالى بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه)، هذا من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين، والله تعالى اعلم.

س 11 : في باب قول الله تعالى : ( ألم ترى إلى اللذين يزعمون انهم آمنوا) جاء في كلام الشارح بعد شرح قول الله تعالى:( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب... الآية)قال: وشاهده في كلام العرب قولهم حملة صادقة ما معنى قولهم حملة صادقة ؟

لو قرأت الآية التي ذكرها الشارح رحمه الله وهي قول الله تعالى:(ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب)يريد أن يبين الشارح رحمه الله أن الصدق ليس فقطبالقول بمعنى نقول نحن نعمل أو نريد أن نعمل وإنما الصدق بالعمل أيضا، لذلك ختمت الآية بعد أن ذكر الله تعالىأعمالهم في إيتائهم للزكاة، إقامتهم للصلاة، وفائهم بعهودهم، صبرهم في البأساءوالضراء، قال في آخرها (أولئك الذين صدقوا) صدقوا أي فيما عملوا به من أعمال ظاهرة وباطنة ذكرت في هذه الآية، وشاهده في كلام العرب قولهم حملة صادقة هذا إشارة حملة صادقة إلى أن التصديق يستعمل في الخبر وفي الإرادة أي في قول الإنسان وفي عمله، فيقال فلان صادق العزم وصادق المحبة، وحملوا حملة صادقة هذه تقال في الحرب يقال حملوا على العدو حملة صادقةإذا أرادوا القتال وكانت إرادتهم للقتال ثابتة جازمة فيقال إنها حملة صادقة،والآن هؤلاء المؤمنون الذين وصفهم الله تعالى بتلك الصفات قال في آخر الآية(أولئك الذين صدقوا)يعني لم يكتفوا بمجرد القول وإنما كانت إرادتهم ثابتة كانت إرادتهم جازمة، لهذا يقال فلان صادق الحب والمودة ليس فقط مجرد قول أني أحب بل هو صادق الحب والمودة، ويريدون بالصادقالصادق في إرادته وقصده وطلبه وهو الصادق في عمله ويريدون الصادق في خبره وكلامه ليس فقط الصدق في خبره وكلامه وإنما الصدق في عمله في إرادته في قصده في طلبه، والمنافق ضد المؤمنالمنافقون يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم إذا ليس عندهم إرادة جازمة وإنما هو مجرد قول قالوه،أما المؤمنون الذين وصفهم الله تعالى في هذه الآية وذكر أعمالهم أخبر في آخرها أولئك الذين صدقوا،والله تعالى أعلم.

س 12 : كيف يمكن الجمع بين قوله تعالى:( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ؟ وما حكم طاعة العلماء في المعصية؟

الطاعة نوع من أنواع العبادةيجب إفراد الله تبارك وتعالى بها، وتكون الطاعة بفعل ما أمر سبحانه وترك ما نهى عنه وزجر، والتحليل والتحريم داخل في العبادة،يقول تعالى:(فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين)وأولوا الأمر الذين أمر الله تبارك وتعالى بطاعتهم هم أولوا الشأن وهم العلماء والأمراء،العلماء لأنه يستند إليهم في أمر الشرع والعلم به،والأمراء لأنه يستند إليهم في تنفيذ الشرع وإمضائه،وهذان الصنفان هما المذكوران بالآية فالعلماء بشرع الله وظيفتهم أن يبينوا معاني ما أنزل الله على رسوله، وليس لهم أن يحللوا ما شاؤوا أو يحرموا ما شاؤوا فلا تجوز طاعتهم لو خالفوا قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلملأن طاعتهم تبع،إذ الطاعة نوعان:طاعة استقلالوطاعة تبع،فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة مستقلة،أما طاعة أولي الأمر فهي طاعة تابعةلذلك لم يكرر الله تعالى في الآية وأطيعوا بل قال(يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)لم يقل: أطيعوا أولي الأمر منكم فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فلو أمر العلماء بمعصية فلا تجوز طاعتهم،يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمّر عليهم رجلا فأوقد الرجل نارا وقال لمن معه ادخلوها فأرادوا أن يدخلوها وقال آخرون إنما فررنا منها، فذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها:(لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة وقال للآخرين لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف) والحديث أيضا أخرجه الإمام مسلم في صحيحه فهو مخرج في الصحيحين، لذلك لا يطاع العالم في معصية الله تبارك وتعالى،والله تعالى أعلم.

س 13 : لم أفهم النوع الرابع من أقسام الناس في نية عملهم.

تقدم أقسام الناس في نية عملهم، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله له رسالة جمع فيها أحوال الناس بما قاله السلف تفسيرا للآية قول اللهتعالى:(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها)، وجعل الشيخ رحمه الله كلام السلف يتناول أربعة أنواع من الناس، كلهم يدخلوافي هذا الوعيد ذكرنا النوع الأول والثاني والثالث والرابع، والسائل الآنيسأل عن النوع الرابعالذين يعملون الأعمال الصالحة يريدون بها الله تعالى ومعهم ناقض من نواقضالإسلام، يعني الآن يعمل أعمال صالحة يصلي يزكي يتصدق يقرأ القرآن ولكن هومشرك شرك أكبر، فهدا وإن قال إنه مؤمن فليس بصادق في ذلك لأنه لو كان صادقالوحّد الله جل وعلا، فهو يعمل بطاعة الله تعالى مخلصا في ذلك لله وحده لا شريك له لكنه على عمل يكفّره كفرا يخرجه عن الإسلام، مثّل لها الشيخ محمد رحمه الله قال:مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا الله أوتصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله تعالى والدار الأخرة هل ينفع هذا الصيامأو هذه الصدقة وهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فهم من أهلالنار كما قال صلى الله عليه وسلم، ومثّل بكثير من هذه الأمة الذين فيهم كفراأو شركا أكبر يخرجهم من الإسلام بالكلية، فلو أنهم أطاعوا الله طاعة خالصةفي بعض العبادات وأرادوا بها وجه الله تعالى وثوابه في الدار الأخرة لكنهمعلى أعمال تخرجهم من الإسلام وتمنع قبول أعمالهم قال: فهذا النوع أيضا قدذُكر في هذا الآية، فهذا مراد الشيخ رحمه الله تعالى للنوع الرابع،
والله تعالى أعلم.

س 14 : مامعنى إذا عمل الرجل الأعمال من صلاة وغيرها ابتغاء وجه الله تعالى وطالبالثواب الاخرة ثم عمل عملا قاصدا به الدنيا فهو لما غلب عليه منهما ؟علما بأن هناك أشخاص يحجون أولا لله تعالى ثم يقومون بالجح عن الناسمقابل مبلغ مادي.

وما تفسير قوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) وفي أي الأقسام تندرج يشير إلى التي ذكرها السائل ؟

أولا علينا أن نعلم أن الإنابة في الحج جاءت بها السنة،يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: فإن الرسول عليه الصلاةوالسلام سألته امرأة وقالت: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركتْ أبي شيخاكبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟  قال: نعم، يقول الشيخ رحمه الله: والاستنابة بالحج بعوض إن كان الإنسان قصده العوض فقدقال شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى: من حج ليأخذ المال فليس له فيالآخرة من خلاقيعني حجه من أجل المال لا يريد بالحج إلا أن يأخذ المال، وأما من أخذ ليحجفلا بأس بهفينبغي لمن أخذ النيابة أن ينوي الاستعانة بهذا الذي أخذ علىالحج وأن ينوي أيضا حاجة أخيه قضاء حاجة أخية لأن الذي استنابة محتاج ويفرحإذا وجد أحدا يقوم مقامة فينوي بذلك أنه أحسن إليه في قضاء الحج وتكوننيته طيبة، ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أيضا: وإن من المؤسف أن كثيرا من الناسالذين يحجون عن غيرهم إنما يحجون من أجل كسب المال فقط وهذا حرام عليهمفهذا بالعبادات لا يجوز للعبد أن يقصد بها الدنيا،إذا إن على الذين يأخذون النيابة بالحج أن يخلصوا النية لله تعالى وأن تكوننيتهم قضاء وطرهم بالتعبد حول بيت الله وذكره ودعائه مع قضاء حاجة إخوانهمبالحج عنهم وأن يبتعدوا عن النية الدنيئة بقصد التكسب بالمال، فإن لم يكنفي نفوسهم إلا التكسب بالمال فلا يحل لهم أخذ النيابة حينئذ، والله تعالى أعلم.

س 15 : هل يجوز أن نطلب العلم الشرعي للمهنة كالذييحفظ القرآن وله نية أن يكون معلم قرآن؟

تقدمت أنواع مريدي الدنيا بأعمالهم ومنهم من عمل أعمالا صالحة مبتغيا بهاوجه الله وقاصدا بها الدنيا بالوقت نفسه، ومثّلتُ لذلك بمن يحج فرضه ثم يحجبعده لأجل الدنيا وبمن يحفظ القرآن لأجل الله ورغبة في أن يصبح إماما فيمسجد، وذكرت أن العلماء قالوا القرآن كثيرا مايذكر أهل الجنة الخلّص وأهلالنار الخلص ويسكت عن صاحب الشائبتين،فالآن جمع في إرادته بين الله وبينالدنيا يقولون يُنظر إلى الغالب على الإنسان في إرادته، هل كان الغالب عليهالإخلاص والتقوى فيكون ناحيابإخلاصه وتقاه، أو كان الغالب عليه المراءاة أوإرادة الدنيا فيكون هالكاإذا هو خاضع لقلبه بالعمل، وهذا أمر يدركه كل واحد من نفسه هذه النية التيذكرتها يستطيع العبد إصلاحها لو كانت فاسده فإصلاحها خير له في دنياهوآخرته من ترك العمل بالكلية، وقد مر في أسابيع مضت أن من طرق الشيطان فيالصد عن الطاعات وترك الاستمرار بها الوسوسة للمسلم لأن نيته غير سليمةوأنه لا يعمل لأجل الله، فيترك هذا المسلم الطاعة إن كان بدأ بها أو يتوقفعن إنشائها والقيام بها إن لم يكن قد بدأ بها ويكون الشيطان قد ظفر منهبمراده،لذلك من حفظ القران الكريم لأجل أن يكون معلما فقط لا إرادة لله واليومالأخر في عمله فإن الله تعالى لا يقبل منه هذا، والله تعالى لا يقبل منالعمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه سبحانه وتعالى، فهو أغنى الشركاء عنالشرك، في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تباركوتعالى:(أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركتهوشركه) وفي رواية: (أنا بريء منه وهو للذي أشرك)، والله تعالى أعلم.

س 16 : كيف تكون غربة الإسلام في عبادة الرهبان وعبادة الأوثان ؟

صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) وقد دل الحديث على أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لو عُبِدَ لكان وثناً، فما ظَنُّكَ بقبر غيره فما ظَنُّكَ بالقبور التي عُبِدت هي وأربابُها من دون الله تعالى، وإذا أراد المُوحِّدُ تغيير شيء من ذلك اشمأزت قلوب عبّادها واستكبرت نفوسهم وقالوا أنت تنتقص أهل الرُّتب العَلِيَّة، فماذا يقولون له لو قال لهم إنها أوثانٌ تُعبَد من دون الله تعالى، الله المستعان على غربة الإسلام إذا غُيِّرت السنة وصارت البدعة هي المألوفة لدى الناس، لو غُيِّرت هذه البدعة لقيل غُيِّرت السنة، وهذا ما ذكره ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: كيف أنتم إذا لبستكم فتنةٌ يهرم فيها الكبير وينشأ فيها الصغير تجري على الناس يتخذونها سنة إذا غُيِّرت قيل غُيِّرت السنة، فالدين بدأ غريباً وسيعود كما بدأ، ما كان يفعله المشركون الأولون هو عين ما يفعله المشركون المتأخرون عند الأحجار عند الأشجار عند القبور ونحو ذلك، من قرأ شيئاً مما يصنعه المشركون في الأزمنة المتأخرة عَلِمَ غربة الإسلام في بلاد المسلمين، في هذه البلاد المباركة قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كان الناس على شرك عظيم، ولو تأملتَ أحوال ما حولك من البلاد التي ينتشر فيها الشرك لوجدت من اتخاذ الأشجار والأحجار آلهة والتبرك بها الشيء الكثير، كيف بمن يذهب إلى القبور ويدعو أصحابها ويعكف عندها طلباً للبركة من تربتها أو ممن سكنها وهم رفاتٌ رَمِيم مرتهنون بأعمالهم أو يطوف بها تعبداً وتقرُّباً أو يظن أن العبادة عندها أفضل من العبادة في مكان آخر، فهذا كله إما شركٌ أو وسيلةُ للشرك الأكبر، وهذا مما يجعل الدين الإسلامي غريبا، وقد جاء في صحيح مسلمأن النبي صلى الله عيله وسلم قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ) ومعلوم أنه بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت غربته ما يصنعه المشركون من عبادة غير الله تبارك وتعالى، وقد عاد الدين غريبا في كثير من بلاد المسلمين،وهذا معنى قوله الذي بدأت سؤالك عنه: كيف تكون غربة الإسلام في عبادة الرهبان وعبادة الأوثان؟ والله تعالى أعلم.

س 17 : بعض المؤذنين إذا أراد الأذان بحث عن طريق الأوقاف في المساجد والجوامع التي بها سكن وينسى أجر الأذان فكأن همه الوصول إلى الشقة أو الحصول على السكن فما حكم هذا العمل ؟

وكيف نصحح النية حال طلبنا للعلم من أجل الحصول على الشهادة ؟

 قد تقدمت إجابة قريبةٌ من إجابتي على سؤال من يبحث عن طريق الأوقاف على شقة وكأن همه السكن وليس أن يكون مؤذنا، وذكرت أصناف الناس في نيتهم، وقلت منهم صنف يبتغي بعمله وجه الله تعالى والدار الآخرة لا رغبة له في شيء من الدنيا، فهذا أكرم الأصناف وأشرفها،يعني العمل العبادة التي يؤديها من أذانٍ من حفظٍ للقرآن من صلاةٍ من صيامٍ ليس له همٌّ إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة، وصنفٌ يبتغي بعمله ونيته الدنيا من كل وجهٍ لا يريد وجه الله وإنما الدنيا فقط، فهذا أخسُّ الأصناف وأردؤها وليس له في الآخرة من نصيب، وصنفٌ يبتغي وجه الله وثواب الدار الآخرة وهو مع ذلك يطلب ثواب الدنيا، وقد مر معنا أن الأمر فيه لمن غلب، فإن كانت النية الله فإن كان قصده وجه الله تعالى ورضاه والدار الآخرة هذه الغالبة فالثواب لمن غلب، يقول ابن القيم رحمه الله: فإن كل عملٍ لابد له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض، لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك، بل لابد أن يكون مبدؤه محض الإيمان، وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته وهو الاحتساب، ولهذا كثيراً ما يقرن بين هذين الأصلين في مثل قول النبي صلى الله عيله وسلم (من صام رمضان إيماناً واحتسابا)، (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً) فهؤلاء يرجون ثواب الله تعالى ويحتسبون الأجر من الله تبارك وتعالى، فاحتساب الأجر والثواب مهمٌ وتنقية النية مهمةٌ، لأن النفس إذا استشعرت ثواب الله تعالى واحتسبت الأجر عنده اجتهدت،وكثيرٌ من الناس يعملون أعمالاً يمكن أن ينالوا بها أجراً في الآخرة، ولكنهم يدمرون الأجر الأخروي بالاقتصار على القصد الدنيوي، قال عمر رضي الله عنه: (أيها الناس احتسبوا أموالكم فإن من احتسب عمله كتب له أجرُ عمله وأجرُ حِسبته)، لذلك الإنسان يحتسب العمل، فيصلي لله تعالى لا لأجل التمارين الرياضية، يصوم لله تعالى وللثواب وباب الريان ليس لأجل تخفيف الوزن أو الصحة، يقوم لصلاة الفجر لأجر الحسنات وحفظ الله له من النار ليس لأجل الحصول على غاز الأوزون، كذلك يفعل كل أعماله مما يبتغي بها وجه الله تعالى ولا يريد بها إلا الله تبارك وتعالى، بعض الناس يأتي إلى المسجد مشياً فتقول له لماذا لا تذهب بالسيارة يقول المشي صحي لكن المشي صحي يأتي تبعاً، الشيء الصحي ليس مقصداً للعمل الصالح، فعليه أن يصحح النية في إتيان المسجد لئلا يكون مختلطاً بأمرٍ دنيوي، والله تعالى أعلم.

 س 18 : هل يجوز أن يُجمع بالنية بين ثواب الآخرة وأجر الدنيا، مثل رجل يصوم طلباً للجزاء في الآخرة ويصوم أيضا لصحة بدنه ؟

سبق أن أشرت إلى نوعٍ ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وأشار إلى صاحب الشائبتين وقلت هو لما غلب منهما، نرى اليوم من يصوم لصحة بدنه كما قلت لتخفيف وزنه، وقد أخبر صلى الله عيله وسلم أن الصيام في سبيل الله أي أنه لله تبارك وتعالى ليس لنيةٍ أخرى، أخرج الشيخان البخاري والمسلم في صحيحهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عيله وسلم يقول: (من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: لابد من التنبيه على أن بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية، فمثلاً يقولون في الصلاة رياضة وإفادة الأعصاب، وفي الصيام فائدة إزالة الفضلات وترتيب الوجبات، قال والمفروض أن لا تُجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل، لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف الإخلاص والغفلة عن إرادة الآخرة، ولذلك بين الله تعالى في كتابه حكمة الصوم، قال تعالى: (كُتِبَ عليكم الصيام كما كُتِبَ على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) لم يقل لعلكم تصِحُّون، لعلكم تَخِفُّون، فهذه هي الحكمة الأساسية (لعلكم تتقون) هذه هي الحكمة الأساسية من العبادة والآخر يحصل تبعاً هل تخشى ألا يحصل ؟ هل تخشى أن تحرم من مزايا الصيام الصحية؟ إذا صمت ستحصل، لكن إذا صمت فابتغِ وجه الله تعالى لا الأشياء الدنيوية،هذه القضية حولت العبادات إلى عادات، أو حولت العبادات إلى علاجات وفوتت ثواباً كثيراً على الناس وتعلقوا بالدنيا وصار الشغف بها، وصاروا لا يهتمون بالحسنات التي لا يذكر لها فوائد دنيوية، قال الله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فهذه الأشياء يقول الصادق المصدوق صلى الله عيله وسلم : (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدّر له) والإنسان قد يُعْطَى أشياء من التعويضات في الدنيا عن صدقةٍ تصدق بها أو عملٍ عمله دون أن يقصد هذا المقابل الدنيوي فإذا حصل فهذا من فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء،وأخيراً أقول: لما كان شأن التقوى عظيماً على النفوس، لأنها يصرفها عنها عن التقوى استعجال الناس لمنافع الدنيا على خيرات الآخرة، الله تبارك وتعالى أرشدهم وأخبرهم أن خير الدنيا بيده وأن خير الآخرة بيده أيضاً فإن اتقوه تبارك وتعالى نالوا الخيرين، والله تعالى أعلم.

 س 19 : ما صحة أثر قتل عمر رضي الله عنه للرجل الذي جاء إليه ليتحاكم عنده، ذلك الحكم النبيِ صلى الله عيله وسلم، وما هذا الأثر ؟

هذا الأثر أخرجه بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) ملخص القصة أن يهودياً ومنافقاً اختلفا، فاليهودي يقول للمنافق بيني وينك أبو القاسم، والمنافق رفض أن يأتي إلى رسول الله، لكن لما أصر اليهودي ذهبافحكم النبي صلى الله عيله وسلم لليهودي، فطلب المنافق أن يأتيا أبا بكر فحكم أبا بكر لليهودي، فرفض المنافق حكمه فطلب أن يأتي إلى عمر، فلما عرف عمر رضي الله تعالى عنه بأن هذا المنافق لم يقبل حكم رسول الله صلى الله عيله وسلم قال مهلاً حتى أدخل في بيتي في حاجة، فدخل فأخرج سيفه ثم خرج فقتل المنافق، فأهله شكوا ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله إنه ردَّ حكمك، فقال له النبي صلى الله عيله وسلم أنت الفاروق، هذه قصة في الأثر مختصرة، لكن هذا الأثر لم يصح طرقه كلها معلولة، طريقٌ فيها الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال أهل الحديث: هذه من أوهى الطرق وأضعفها، وطريقٌ فيها انقطاع في سنده ابن لهيعة وهي منقطعة، لذلك هذه القصة ليست صحيحة، وقد بين الزيلعي رحمه الله تعالى في تخريج أحاديث الكشاف أن إسنادها ضعيف وأنها ليست مقبولة، ومن المعلوم من هدي أصحاب النبي صلى الله عيله وسلم أنهم لا يتسرعون في سفك الدماء ولا يقدمون بين يدي رسول الله صلى الله عيله وسلم، بل لا يسرعون في تقديم فعلٍ قبل استشارة رسول الله صلى الله عيله وسلم فيه، لذلك فإنها مردودة هذه القصة سنداً ومتناً، والله تعالى أعلم.

س 20 : نريد شرح قول عمر رضي الله عنه: ( يهدم الإسلامَ زَلَّةُ العالِم ).

عن زياد بن حُدَير قال قال لي عمر: (هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قلت: لا قال: يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين) رواه الدارِمي، هذا الأثر رُويَ نحوه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عيله وسلم عند الطبراني في المعجم الأوسط عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عيله وسلم قال: (إياكم وثلاثة، زلة عالم وجدال منافق ودنيا تقطع أعناقكم، فأما زلة عالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم، وإن زلَّ فلا تقطعوا عنه آمالكم...) ورُوي في المعجم الكبير مثله، والبيهقي أيضاً روى نحوه، يقول الشاطبي رحمه الله: وقد حذَّر السلف الصالح من زلة العالم وجعلوها من الأمور التي تهدم الدين فإنه ربما ظهرت فتطير في الناس كل مطارٍ، فيعدُّونها ديناً وهي ضد الدين، فتكون الزلة حجةً في الدين، يعني لو أن العالم أخطأ ونقلت عنه فتواه الخط

خدمات علمية

اشترك الآن

Logo

جميع الحقوق محفوظة لموقع الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة و الأديان و الفرق و المذاهب © 2025

إس إس أيه للتقنية